عندما كنت أدرس بكلية الصيدلة جامعة الإسكندرية كان الأساتذة يكررون علينا أننا نمثل مهنتنا في كل مكان، وأن كرامة المهنة وكرامة الصيدلي متماسان لأقصى درجة، فالصيدلي في كل مكان هو سفير مهنته والمهنة هي عنوانه. كنا نحرص على إظهار أنفسنا بأفضل شكل في كل مكان، سواء في الصيدلية أو في الحياة الخاصة كنا نحرص على أن نعكس الصورة الجيدة للصيدلي، ويلوم أحدنا الآخر إذا حاد عن هذة الصورة الجيدة، صيادلة مصر جميعًا عائلة واحدة ولهم سمعة مشتركة يستمدونها من مهنتهم.
لم تكن الصيدلة بالنسبة لي مجرد عمل روتيني لكنها شغف شخصي ومهنة العائلة، شقيقي صيدلي وابني صيدلي وزوجتي صيدلانية وابنة أخي صيدلانية وزوجها صيدلي، هذة المهنة هي عنوان عائلتي الذي نحمله منذ عشرات السنين.
أذهلني الانحدار الهائل في نظرة المجتمع للصيادلة خلال سنوات معدودة، فقد كان الصيدلي هو المستشار الصحي الأقرب للجمهور والسند والدعم والصديق والجار وأقرب إسعاف لكل مواطن مصري، كنت إذا تغيبت عن صيدليتي لسويعات قليلة أعود فأجد الناس يقفون أمام الصيدلية بانتظار الدكتور ويفتحون أمامه الطريق بكل تقدير واحترام وود، فهو صديقهم المقرب الذي يأتمنونه على تاريخهم المرضي ويثقون في حسن تقديره وخبرته بالأدوية والعلاجات والصحة العامة، كل من يعثر في قدمه يلجأ للصيدلي بثقة وود، حتى أننا كنا نشتكي لبعضنا البعض من فرط ثقة المرضى فينا ونطلب من المرضى أن يلجأوا للأطباء ويثقوا بهم أكثر، كنا نرجو المريض أن لا يرهقنا بأسئلة ليست في مجال تخصصنا ونلح عليه أن يمنح بعض الثقة للطبيب المعالج!
والآن ما الذي وصلنا إليه؟ نظرة المجتمع للصيدلي تدنت لدرجة كبيرة حتى أني عندما أتحدث مع زملائي من الصيادلة حديثي التخرج يشتكون من أن بعض المرضى من ذوي المستوى الثقافي المتدني لا يعترفون أصلًا بأن الصيدلي دكتور، مهزلة كبيرة ومصيبة حدثت نتيجة تقصير منا في اختيار قياداتنا وممثلينا، وتواطؤ من جهات أخرى عمدت إلى تهميش دور الصيدلي المصري وتحجيم تأثيره الذي هو تأثير بالغ الأهمية يندرج تحت بند الأمن القومي، فالدواء هو أحد أهم أضلاع مثلث السلم الاجتماعي: الغذاء والدواء والإسكان!
مهنتنا الآن في مفترق طرق تاريخي، إما أن نتوحد ونؤمن وجود نقابة قوية تستطيع الضغط والتفاهم لاتخاذ خطوات جذرية، بالتشريعات أو القرارات الوزارية أو اللوائح المنظمة أو غيرها، من أجل استعادة مكانة الصيدلي المصري، أو نستمر في الشقاق والخلاف والتصارع على الفتات حتى ندفن مهنتنا تحت الركام ونترحم على أيام الصيدلة.