متى تتحرك الدولة لإنهاء المهازل في نقابة الصيادلة؟

لم أكن أتخيل ولا حتى في أكثر الكوابيس غرابةً وقسوة أن يحدث ما عاشته نقابة صيادلة مصر في الفترة الأخيرة من أحداث غريبة وغير منطقية في هذا الصرح النقابي الذي كان لعقود طويلة نموذجًا للعمل المهني المحترم. ساقني شغفي بالعمل العام لأن أكون قريبًا من نقابتنا العامة ومن صانعي القرار فيها منذ عام ١٩٩٤ حتى عام ٢٠٠٩ رأيت وعايشت أحداثًا كثيرة وشهدت بعيني خلافات محتدمة بين النقيب والأمين العام وبين الوكيل والمجلس وبين أعضاء مختلفين من أعضاء المجلس. شاهدت خلافات بين النقابة العامة وبعض النقابات الفرعية ولكن كل تلك الخلافات كانت تتم داخل إطار من الأدب والاحترام والسلوك المهني، ولا تخرج أبدًا خارج أسوار النقابة. لم نسمع أبدًا – قبل هذا العصر – أن الخلاف مع أي فرد من مجلس النقابة معناه التحويل للتأديب أو الإيقاف أو يتمادى التنكيل ليصل إلى الشطب! لم نكن نتخيل أن نرى قضية أو أكثر أسبوعيًا تنظر في المحاكم أطرافها أعضاء نقابة صيادلة مصر! هل كان أحد منا نحن النقابيون القدامى يتخيل أن يرى بلطجية داخل النقابة يوسعون زملائنا ضربًا وذبحًا! هل من المعقول أن تتحول نقابة الصيادلة إلى ساحة قتال؟ إن من سعى لإنشاء هذة النقابة من المؤكد يلعن نفسه الآن لأن بعض أولاده وأحفاده في المهنة اعتقدوا أنهم يعيشون في غابة قانونها مخالفة القانون ونظامها البلطجة على النظام، إنه عصر الفوضي الذي لا يمكن أن يستمر.

“إنه عصر الفوضي الذي لا يمكن أن يستمر.”

أكتب الآن بعد بداية تفكك هذا الوضع المشوه، واسأل نفسي وزملائي القدامى الذين شاهدوا النقابة في كل أحوالها وفي خضم الخلافات النقابية القديمة التي كانت تتسم بالمهنية والاحترام: هل كنا نتخيل يومًا ما أن يكون لنقابتنا مجلسان يتنازعان السلطة ويعلنان عن ميعادين مختلفين لفتح باب الترشح للانتخابات؟ وكل مجلس منهما يعتقد أن له الحق في فتح باب الترشح! إن لم تكن هذة هي الفوضى فما الفوضى؟ وإن لم يكن هذا هو التشرذم والتشظي والضياع فما هو إذًا!

اعذروني إن كنت لا أجيد قراءة الفوضى ولا أستطيع أن أتماهى جيدًا مع الأوضاع المشوهة فأنا رجل تقليدي من المتشبثين بالدستور والقانون، لا أجيد ولا أريد أن أجيد قواعد الفوضى. لذالك اسأل: إن كان أطراف النزاعات منغمسين حتى رقابهم في العنف والفوضى ويعتقدون أن العنف فيه منتصر ومهزوم ولا يعرفون أننا جميعًا مضارون من هذا الوضع، أين الدولة؟ أين الجهة المنوطة بتنظيم الأمور وإنفاذ القانون؟ إنني اسأل بدهشة وتعجب! إن كل ما حدث في النقابة حدث تحت مرأى ومسمع من المسئولين في الدولة الذين يعلمون كل صغيرة وكبيرة ويعلمون أصل الفوضى ومنبعها، يعرفون المخالفات المثبتة في المحاضر والتحقيقات بالنيابة العامة ومباحث الأموال العامة والمخالفات المالية التي تم تحويلها من الجهاز المركزي للمحاسبات إلى النيابة، يعرفون بشأن محاضر الضرب والتعدي المثبتة في مقاطع مصورة! كل هذا يحدث والمسئولون المنوط بهم إنفاذ القانون ينظرون وينتظرون من سيرفع يده منتصرًا! إن أي انتصار على قواعد من الفوضى لهو انتصار مزيف ومكسب أقرب إلى الخسارة، لا نريد انتصارات قائمة على ضحايا وربما يمتد الفجور في استخدام العنف إلى إيقاع قتلى تنتهي بدمائهم المسيرة النقابية للصيادلة نهاية مروعة مفجعة! الانتصار الحقيقي الذي نريده ونتوقعه هو انتصار القانون على البلطجة وانتصار النظام على الفوضى.

“أي انتصار على قواعد من الفوضى لهو انتصار مزيف ومكسب أقرب إلى الخسارة.”

متى تتحرك الدولة وتعلن موقفها مما يحدث؟ هل الوزارة مسئولة فقط عن خلق التخبط والمشاكل للصيادلة مثلما فعلت في أزمة التسعيرتين؟ ألا تكتفي الوزارة بما خلقته من معاناة لصيادلة الحكومة والمستشفيات بمعاملتها المتحيزة تجاههم في الكوادر والمناصب؟ لماذا لا يخرج علينا مسئول يخبرنا ما الرأي في هذة المهزلة؟

هل نحن لقطاء؟ هل صيادلة مصر أتوا من دولة غير مصر وتتم معاملتهم معاملة الخارج عن القانون المخترق للحدود وليسوا من مسئولية الدولة في شيء؟ إنها مهزلة ومسرحية سخيفة يعيشها صيادلة مصر الآن. أفيقوا أيها السادة المسئولين وتحملوا مسئوليتكم تجاه مشاكل نقابة صيادلة مصر ومن يرى منكم أنه واهن ضعيف لا يقدر على المواجهة فليرحل فورًا، وليتأكد كل مسئول يتقاعس حفاظًا على كرسي زائل، ليعلم أن الله لن يسامحه ولن يغفر له إهماله وخوفه من المواجهة.

“كل ما حدث في النقابة حدث تحت مرأى ومسمع من المسئولين في الدولة الذين يعلمون كل صغيرة وكبيرة ويعلمون أصل الفوضى ومنبعها.”

في النهاية لا أجد إلا أن أقول الله مع الصيادلة المحترمين المحتفظين بآداب المهنة وقواعد العمل المهني، فلينصرهم الله ويخلصهم من كل فاسد آثم منتفع لا يبحث إلا عن مصالحه الشخصية حتى لو كانت على حساب مصالح جموع الصيادلة، وليتذكر مسئولينا أن أن أعضاء نقابة صيادلة مصر هم مصريون ومسئوليتهم على عاتق الدولة المصرية وليس الدولة الهندية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *